الوقت المقدّر للقراءة: 3 دقيقة و 16 ثانية.
بشكل عام، تعد الملاحظة والرؤية الدقيقة، إحدى أهم وسائل التعلّم النظرية، التي تضع بين أيدينا معطيات من الممكن أن تساعدنا في استقراء الأحداث، وخصوصاً في عالم المال والأعمال، إذ أن العديد من القادة يمكنهم رؤية لمحات عن مستقبل المنافسة والابتكار من خلال التفكير في كيفية تسيير الشركة لأعمالها.
ولا شك أن “نيتفليكس – Netflix”من أكبر الشركات التي من الممكن أن تقدم من خلال دراستها المزيد عن استراتيجيات الأعمال والتكنولوجيا والثقافة.
التكوين:
تلك الشركة التي بالكاد يبلغ عمرها 20عاماً، تبلغ قيمتها في سوق الأسهم حوالي ١٦٥مليار دولار، أي أكثر من “ديزني – Disney” باسمها الغني عن التعريف.
التأثير الثقافي:
حصلت “نيتفليكس – Netflix” مؤخراً على 112 ترشيحاً لـ “Emmy”، أي أكثر من أي شبكة أو خدمة بث، وبذلك تتغلب على “HBO (Home Box Office)” ، التي حصلت على أكبر عدد من الترشيحات لمدة 17 عاماً.
إدارة الائتمان:
لا غرابة أن سمعة “نيتفليكس – Netflix” قوية لدرجة أن عرض شرائح “Power point” البسيط، حول ثقافتها وسياسات الموارد البشرية، شوهد أكثر من ١٨مليون مرة.
فيما يلي ثلاثة دروس مستفادة من ظهور “نيتفليكس – Netflix” والتي يمكن إلى حد ما تعميمها على جميع التجارب المشابهة:
-
البيانات الضخمة قوية، لكن البيانات الضخمة بالإضافة إلى الأفكار المبدعة هي التي تخلق التغيير:
“Netflix” هي مشغل ألعاب تكنولوجي غيّرت تحليلاته وخوارزمياته وابتكاراته في مجال البث الرقمي كيفية مشاهدة العملاء للأفلام والبرامج التلفزيونية، لكن هذه التكنولوجيا كانت دائماً في خدمة وجهة نظر فريدة من نوعها وهي “بناء منصة تشكل ما يشاهده العملاء، وليس فقط كيف يشاهدون”.
تمتلك الشركة كميات هائلة من البيانات حول عادات المشاهدة لمشتركيها البالغ عددهم 125مليون مشترك، من الأفلام والبرامج التلفزيونية التي أحبوها أو لم ترق لهم، إلى موعد مشاهدة حلقة فردية إلى أي مدى هم متيمون بمتابعة سلسلة جديدة.
يخلق بنظام البيانات القوي هذا نطاقاً اجتماعياً ثرياً يؤثر على الأفلام ويظهر للأعضاء، ويتأثر هذا النظام بما أظهروه من أعجابهم في الماضي بما يراه المشتركون الآخرون وما يعجبهم.
وقد أوضح مؤسسها ورئيسها التنفيذي “ريد هاستنجز – Reed Hastings” في عام 2005، عندما كان لدى الشركة 3.5 مليون مشترك فقط، فقال: “المشكلة الحقيقية التي نحاول حلها هي إمكانية تحويل الاختيار بحيث يمكن للمستهلكين العثور على دفق مستمر من الترفيه الذي يحبونه، لقد منحنا الجميع منصة لتطعيم أذواقهم”، وقد ألهمت وجهة النظر هذه “Netflix” من البداية، وتؤكد قوة الأفكار الأصيلة في نجاح الأعمال، ومنها نستخلص الفكرة الأساسية:
” التكنولوجيا مهمة للغاية عندما تكون في خدمة استراتيجية مقنعة”
-
إذا كنت تهدف إلى تعطيل صناعة ما، يجب أن تكون على استعداد لتعطيل نفسك:
يمكن أن تكون “Netflix” التعريف القاموسي لـ“Disruptor silicon valley – اضطراب وادي السيليكون”،ذلك الوافد الجديد أعاد تشكيل منطق الصناعة بأكملها، ومع ذلك، فإن ما يلفت النظر حول مسار الشركة على مدار العقدين الماضيين هو مدى اضطرابها في خدمة مهمتها.
لقد بدأت “Netflix” –بطبيعة الحال- مع ابتكار بسيط للغاية وهو سحق “Blockbuster-بلوك باستر” عن طريق شحن أقراص DVD مدمجة بالبريد وإلغاء الرسوم المتأخرة، ثم انتقل من المحتوى البريدي إلى بث الأفلام والبرامج التلفزيونية رقمياً.
واليوم، نجد أن “Netflix” هي الأكثر شهرة كمبدع للمحتوى، وستنفق 12 مليار دولار هذا العام وحده على البرمجة.
وهنا، تدخل “Netflix” الصناعة مرة أخرى من خلال تحدي مفاهيمها كما لاحظت قصة غلاف حديثة في مجلة نيويورك،إذ أن مقاربة الشركة للبرمجة قلبت الكثير من معايير العمل التلفزيوني، من تغيير الحلقات التجريبية إلى ابتكار فكرة مشاهدة جديدة، ونهج للبرمجة المتخصصة التي تغذيها التكنولوجيا، هذا ما يؤدي إلى تحسين نوع النصوص الأدبية التي توصل أفكار معينة، تتطلب إعادة التفكير فيما نشاهده. والدرس الرئيسي هنا:
“بالنسبة للشركات والقادة على حد سواء، لا يمكنك أن تدع ما تعرفه وكل ما حققته من نجاح يحد من خيالك”
-
الاستراتيجية هي الثقافة، والثقافة هي استراتيجية:
يأخذ “ريد هاستنجز – Reed Hastings” وزملاؤه ثقافة المشتركين على محمل الجد كما هو الحال بشأن البث الرقمي والمحتوى، فعندما يتعلق الأمر بمن توظفه وكيف تتخذ القرارات وتشارك المعلومات، وحتى ما تفعله بشأن الإجازات، ابتكرت وطورت “Netflix” مجموعة من الممارسات المصممة بشكل صريح لربط أهداف الشركة في السوق بكيفية تنظيم مكان العمل.
في العام الماضي، قامت الشركة بتحديث بيانها الخاص، وهو بيان مفصل لمبادئها وسياساتها وممارساتها فيما يتعلق بالعامل البشري في الأعمال التجارية، ولكن ما هو غير مألوف في البيان هو حدة اللغة، إذ لا يوجد أي سمة من سمات الموارد البشرية في البيان!
يبدأ البيان بالنص التالي: “كثير من الشركات لديها بيانات قيّمة، ولكن غالباً ما تكون هذه القيم المكتوبة غامضة ويتم تجاهلها. يتم إظهار القيم الحقيقية للشركة من قبل من يحصل على المكافأة أو يتخلى عنها”. فما نوع الأشخاص الذين يتم مكافأتهم في “Netflix”؟
يحوي البيان على عبارات من قبيل: “أنت تقول ما تفكر فيه، عندما يكون ذلك في مصلحة “Netflix”، حتى لو كان ذلك جارحاً”، و” أنت على استعداد لأن تكون منتقداً للوضع الراهن”، ” وأنت تتخذ قرارات صعبة دون معاناة “، و” أنت قادر على أن تكون ضعيفاً، بحثاً عن الحقيقة”. النقطة الأساسية:
“تفهم الشركات الكبرى أن عليها العمل بشكل متميز كما يأملون في المنافسة”.
بعد ما قدمناه لك عزيزي القارئ في معرض حديثنا، نرى أنه من الخطر دائماً محاولة تعلم الكثير من أداء مؤسسة واحدة، فحتى أكثر الشركات نجاحاً لابدّ أن تعاني من نكسات وخيبات أمل، ومع ذلك، مع تحوّل الكثير منا إلى “Netflix” للترفيه، فإن الشركة تحمل المشاهدة كمصدر للرؤى حول مستقبل العمل.
إعداد: زين علي
مراجعة: فراس فنصه